بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، حرصت أمريكا على توظيف هذه الأحداث، وجعلت منها غطاءً تتحرك من خلاله، ضمن مرحلة متقدمة، ومخطط لها؛ لاستهداف عالمنا الإسلامي ومنطقتنا العربية، والأهداف الأمريكية التي جعلت من عنوان الإرهاب غطاًء للتحرك لتحقيقها، وللوصول إليها، هي: أهداف خطيرة جدًّا، معلوم أن في مقدمة هذه الأهداف هو: الاستعمار الجديد لعالمنا الإسلامي، السيطرة المباشرة على منطقتنا العربية وعالمنا الإسلامي، وتقويض كِيان العالم الإسلامي من [دول، وشعوب]، وبعثرتها، وسحقها، والاستحواذ على مقدراتها، وثرواتها، وخيراتها، وإنهاء الكِيان الإسلامي ككِيان بشكل نهائي، وهدفٌ في مستوى هذا الهدف، له خطورة كبيرة جدًّا على عالمنا الإسلامي، وهو بالتأكيد: هدفٌ رئيسيٌ، جُعل عنوان الإرهاب غطاء له، لا أقل ولا أكثر.
في مقابل هذا التحرك الكبير من جانب أمريكا، بهذه الأهداف الخطرة جدًّا، كيف كان الموقف في عالمنا الإسلامي، وفي منطقتنا العربية؟ أغلب الأنظمة في الواقع العربي، وأغلب الأنظمة في الواقع الإسلامي -عموماً- كان موقفها: موقفاً سلبياً جدًّا، لا يمكن أن نقول عنه: أنه صحيح، ولا أنه سليم، بأي اعتبار من الاعتبارات.
توجهت معظم الأنظمة في المنطقة العربية، في العالم الإسلامي، معظمها إلا القليل، توجهت نحو الإذعان لأمريكا، ونحو التسليم لأمريكا، ونحو الاسترضاء لأمريكا، بالاستعداد التام، والطاعة المطلقة؛ لتنفيذ ما تطلبه منها أمريكا، وتنفيذ السياسات والتوجيهات والأوامر الأمريكية، أياً كانت، وكيفما كانت، وبكل ما يمكن أن يترتب عليها من نتائج.
وبالتأكيد، سياسات أمريكا التي تريد من الأنظمة في منطقتنا العربية وعالمنا الإسلامي تنفيذها، ومطالب أمريكا التي تريد من حكومات وأنظمة بلداننا تحقيقها، ماهي إلا: مطالب وإلا أهداف وإلا سياسات وإلا توجيهات تسهل لأمريكا مهمتها في السيطرة المباشرة، وفي ضرب هذه الأمة، بمعنى: أن الاستجابة من جانب الأنظمة -في المنطقة- لأمريكا، وسعيها لاسترضاء أمريكا، من خلال طاعتها لها، لم تثمر ثمرة إيجابية بأن تغير أمريكا سياستها نحو المنطقة، أو أن تلغي أهدافها الحقيقة، التي تتحرك تحت غطاء الإرهاب لتنفيذها؛ فتحول توجهها نحو استعمار المنطقة، ونحو احتلال المنطقة، ونحو السيطرة المباشرة على المنطقة، وكذلك نحو ضرب الأمة ضربةً قاضية، وإنهاء هذا الكيان الإسلامي من الأساس. |لا|، لم تغير هذا التوجه، ولم تغير هذه السياسة، إنما تجعل من هذه الاستجابة الرسمية في الواقع العربي، وفي معظم العالم الإسلامي، وسيلةً تسهل الوصول إلى هذا الهدف، وتحقق النتائج المطلوبة بأقل كلفة، هذا واضح، وسنتحدث عنه بعد قليل -إن شاء الله- في أثناء الكلام أكثر فأكثر.
أيضاً على مستوى الواقع الشعبي، كيف كان الموقف الشعبي لمواجهة هذا التحرك الأمريكي؟ من المعلوم أن كثيراً من شعوب بلدان المنطقة كان موقفها لا يتجاوز الحيرة، الاستسلام، الجمود، الانتظار للمجهول، بمعنى: لم يقابل التحرك الأمريكي بكل ما حوله، وبكل ما معه من: قوى، ودول، معه الدول الغربية -إسرائيل، إلى غير ذلك…- وبكل ما يشكله من خطورة كبيرة علينا كشعوب، لم يقابل، ولم يواجه بالتحرك الطبيعي، المفترض، الذي تفرضه المسؤولية: الدينية، والمسؤولية الإنسانية، والمسؤولية الوطنية، والمسؤولية بكل الاعتبارات… انعدم هذا الموقف لدى معظم الشعوب؛ لعدة عوامل.
تحرك شامل وسيطرة على كل المستويات
والتحرك الأمريكي والإسرائيلي في اتجاه السيطرة على الأمة ليس فقط تحركًا عسكريًا، بل هو استهدافٌ شامل، اتجه ليس فقط لاحتلال الأرض، وإنما لاحتلال النفوس، والسيطرة على الإنسان في: فكره، وثقافته، ورأيه، والسيطرة على هذا الإنسان في مسارات حياته وفي وضعه بشكلٍ كامل.
على المستوى السياسي
يسعى هذا العدو على المستوى السياسي إلى السيطرة الشاملة علينا كأمةٍ إسلامية في هذه المنطقة العربية بالدرجة الأولى، وفي سائر العالم الإسلامي، وليس ليهتم بنا على الوضع السياسي، حينما يتحكم بواقعنا السياسي يعمل على هندسة هذا الواقع بكل ما يضمن له السيطرة التامة علينا، الانتقام منا كأمةٍ مسلمة، والإذلال لنا، والتصميم والهندسة لواقعنا السياسي فيما يضمن له إضعافنا والوصول بنا إلى حافة الانهيار.
كيف يهندس واقعنا السياسي؟ يصنع واقعًا سياسيًا مأزومًا، مليئًا بالمشاكل، غارقًا في النزاعات، تعيش القوى والمكونات فيه حالةً من التباين الشديد، والتنازع على كل المسائل والأمور، والخلافات الساخنة، والأزمات المعقدة، حتى نتحول إلى أمة مأزومة تعيش دائمًا المشاكل المتفاقمة في واقعها السياسي؛ حتى لا تتمكن أبدًا أن تنهض، ولا أن تبني نفسها وواقعها. يشجع الانقسامات، يغذي المشاكل، يعمل على اختلاق المزيد منها، يوسع دائرة الانقسامات تحت كل العناوين، يشجع على الصـراعات، ويتجه لبعثرة هذه الأمة وتفكيكها.
على المستوى الثقافي والفكري
– على المستوى الثقافي والفكري والإعلامي: يسعى العدو الأمريكي إلى السيطرة التامة على الإعلام، على المدارس والجامعات في مناهجها، يسعى إلى السيطرة حتى على الخطاب الديني.
على المستوى الإعلامي
– في الجانب الإعلامي يسعى العدو إلى أن يسيطر على كل النشاط الإعلامي في داخل الأمة، على الإعلاميين أنفسهم في أدائهم الإعلامي؛ فيتحولون -فيما يكتبون- إلى أقلام تخط له كل ما يخدمه، كل ما يبرر له مواقفه وسياساته ومساراته العملية، كل ما يساعده على استغلال الأمة، وعلى تدجين الأمة، وعلى السيطرة على الأمة، كل ما يتوافق مع كل خطوة يخطوها لضـرب هذه الأمة، كل ما يضلل هذه الأمة ويغطي على الحقائق ويزيف الوقائع، على مستوى الإعلاميين في نشاطهم الإعلامي: في التحليلات، في المقالات، في الطرح الإعلامي في كل البرامج والأنشطة الإعلامية، أن يتحول إعلاميو هذه الأمة إلى أبواق ينفخ فيها؛ فتكون صوتًا له، تتكلم بما يخدمه، يما يخدع الرأي العام، بما يصنع رؤية مغلوطة في أوساط الأمة، ونظرة خاطئة وغبية تجاه كل تحركات هذا العدو، بما يقلب الحقائق التي هي حقائق كبيرة وحقائق مهمة، والانخداع فيها والتضليل فيها له تداعيات كبيرة في مواقف الأمة، كل ما يساعده على تكبيل هذه الأمة والانحراف بها عن مساراتها الصحيحة في مواقفها، ومشاريعها العملية، واهتماماتها؛ فيدجِّنها له ويخضعها له.
على المستوى التربوي
– في المدارس، في المناهج: على مستوى المناهج المدرسية والجامعية، وعلى مستوى -أيضًا- ما يحمله المدرسون من آراء وأفكار، ما يقدِّمونه إلى التلاميذ والطلاب، التضليل للمدرسين، والتأثير عليهم، والسعي لأن يحملوا آراء خاطئة، وثقافات مغلوطة، ومفاهيم سلبية، كلها تسهم في سيطرة الأمريكي على منطقتنا، وفي خدمة الإسرائيلي، ولصالح السياسات الأمريكية والإسرائيلية.
والاتجاه -أيضًا- إلى الطلاب -كذلك- لتنشئتهم على مفاهيم ترسِّخ فيهم الولاء بإخلاص لأمريكا، والنظرة بإيجابية إلى العدو الإسرائيلي، نظرة خاطئة ونظرة مغلوطة، والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يصنع وعيًا ونورًا لهذه الأمة، وفهمًا صحيحًا لهذه الأمة تجاه واقعها وتجاه أعدائها.
على المستوى الديني
– على مستوى الخطاب الديني: يسعى العدو إلى السيطرة عليه، فتكون هناك أقلام وكتابات، -وأيضًا- هناك أنشطة لعلماء سوء من علماء السلاطين، من علماء البلاط، من علماء الضلال الذين يعملون لصالح العدو، تصدر فتاوى تدجِّن هذه الأمة لأعدائها ولعملائهم، تسعى -أيضًا- بالدفع بالأمة إلى كل ما يتوافق مع نفس السياسات الأمريكية والإسرائيلية: في العداء، في الموقف، في التصرفات، في تبرير السياسات والمواقف، كما نشاهده اليوم في هيئة كبار علماء السعودية، في مفتيها، وهو يسطر كل فترة الفتوى التي تناسب السلطة العميلة لأمريكا، والتي تبرر الموقف الذي يتجه في نفس السياق الذي رسمته أمريكا وأرادته إسرائيل.
على المستوى الاقتصادي
يسعى العدو إلى السيطرة على المستوى الاقتصادي؛ حتى تتحول كل ثروات وإمكانات هذه الأمة، وبالذات المواد الخام: سواءً البترول، أو غيره من المواد الخام في منطقتنا تتحول لصالح العدو، ونتحول نحن في واقعنا الاقتصادي إلى مجرد سوق استهلاكية، وأمة تستهلك ولا تنتج، ولا تبني لها اقتصادًا حقيقيًا، أمة عطَّلت في داخلها الإنتاج والاستغلال والاستفادة من خيراتها وثرواتها، فثرواتها كمواد خام تتجه لصالح العدو، يستغلها هو، يستفيد منها، ويصدِّر إلينا بعضًا منها كسلع، ندفع له قيمتها بثمن باهظ جدًّا، ومع ذلك نعيش حالة دائمة من الأزمة الاقتصادية، والمشاكل الاقتصادية، والمحنة الاقتصادية التي تجعل منا أمة فقيرة ومعانية وبائسة وشقية، وأمة تعيش الكثير والكثير من المشاكل والأزمات، تُفرض عليها سياسات اقتصادية تعتمد على الربا، تعتمد على الاستيراد بشكلٍ تام وتعطيل الإنتاج والبناء الاقتصادي، تعتمد على سياسات إدارية خاطئة جدًّا؛ ينتج عن ذلك بطالة بشكلٍ واسع ومتفشٍ، وحالة من الضياع بشكلٍ كبير والبؤس والعناء الشديد، الذي يساهم في نشوء: مشاكل اجتماعية، ومشاكل اقتصادية، وبيع للضمير، وبيع للأخلاق، وبيع للوفاء، وبيع للولاءات، وبيع للمواقف، وارتهان وخنوع لصالح الأعداء.
وهكذا في كل المجالات وفي كل الاتجاهات سعي لسيطرة شاملة في كل واقع حياتنا، وفي كل مسارات عملنا ونشاطنا في هذه الحياة، أرادنا الأمريكي والإسرائيلي أن نكون نحن وكل ما بأيدينا وكل ما نسعى له في هذه الحياة لهم، تحت سيطرتهم، تحت تحكمهم، وأن يكونوا هم المتحكمين في كل شؤون حياتنا، وفي كل مسارات أعمالنا، نفعل ما يريدون